دير مار مينا بفم الخليج... أيقونة القرن السادس الميلادي
ترجح المراجع التاريخية أن دير الشهيد العظيم مار مينا بفم الخليج تأسس في أواخر القرن الخامس أو أوائل القرن السادس الميلادي، ويرى مرقس باشا سميكة أن صيت الشهيد مار مينا بدأ في الانتشار داخل مصر مع بداية القرن الخامس الميلادي، وبنيت عدة كنائس على اسمه ومن بينها كنيسة الشهيد العظيم بفم الخليج، كما تؤكد حادثة استشهاد "برشنوفيوس" التي وردت في السنكسار في 13 كيهك هذا الرأي حيث ذكر أن راهباً مقيماً في كنيسة فم الخليج، وفى كتاب تاريخ الأديرة والكنائس يذكر أبي المكارم موقع الدير في منطقة الحمراء الوسطى وأن بنائه تجدد في عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك وولاية الوليد بن رفاعة ويذكر في هذه الواقعة أن أكابر الاقباط اشتكوا من عدم الأمان بالمنطقة أثناء ذهابهم وعودتهم إلى الكنيسة فقام الوالي بتأديب عصابات اللصوص في هذه المنطقة وسمح للأقباط بتجديد الكنيسة.
لماذا التسمية؟
سميت الكنيسة بفم الخليج حيث كانت هناك ترعة من نهر النيل عند هذه المنطقة تمتد إلى منطقة فرع دمياط حالياً، ومنه يخترق وادي طميلات شرقاً إلى البحيرات المرة ليخترقها حتى طرف البحر الأحمر قرب السويس، وكانت تسمى الخليج ، وقد حفرت أولاً أواخر عهد الدولة الوسطى 1800 قبل الميلاد كوصلة بين البحرين الأبيض والأحمر، لكن بمرور الوقت أهمل الخليج إلى أن جاء عمر بن العاص وعاد الاهتمام به، واستخدمه في نقل السفن لتمر به محملة بالمؤن إلى الحجاز، واستمر الحال كذلك إلى عهد الخليفة العباسي المنصور الذي قام بردم الترعة، ولم يتبق منها الا جزءاً صغيراً داخل القاهرة ، واستمر إلى ردم تماما في عهد الخديوي عباس، واصبح اسم الشارع الخليج المصري إلى أن تغيير الاسم بعد العدوان الثلاثي إلى شارع بورسعيد.
لماذا دعا دير ما رمينا وليس كنيسة مار مينا؟
- المنطقة التي تحيط بالكنيسة منذ تأسيسها وحتى وقت قريب كانت أرضاً زراعية.
- الكنيسة كانت تقع في ظاهر القاهرة أي خارج أسوار القاهرة مما جعلها غير محاطة بزحام الأسواق أو السكان على مدى عصور طويلة فكانت مناسبة لسكن الرهبان.
- أول تجديد ذكر عن الكنيسة بين عامي 724 و730 ميلادية ورد فيه أن مكان البيعة يجاور مساكن متفرقة يسكن فيها عدد من الرهبان.
- توجد مخطوطة قام بنسخة الراهب غبريال المقيم بدير مار مينا بفم الخليج في الفترة 1551 -1553 في القرن السادس عشر تذكر أنه دير.
- يبدو أنه كان شائع سكن الرهبان بمصر القديمة
- استمرار إقامة الرهبان في الدير حتى وقت قريب وفى عام 1857ميلادية نجد دليلاً على وجود راهب سرياني مقيم بالدير وتذكر الكتب أن إقامة الرهبان توقفت لفترة بعد خروج السريان نهائي من فم الخليج
تدمير الدير
تعرض الدير إلى الهدم والتدمير عدة مرات من أعداء المسيح وتشير بعض المراجع إلى أن أول مرة تعرض الدير فيها للتخريب كان أيام الصراع الدائري بين الروم والفرس (618-627م) حيث تعرضت الأديرة والكنائس إلى التخريب وتهدمت معظمها وقتل آلاف الأقباط وذاقوا العذاب أشكالاً ونجا من هذه المجزرة عدد قليل من الكنائس ليس من بينها دير مار مينا بفم الخليج حيث أصابه ما حاق بباقي الكنائس. ويذكر كتاب تاريخ مار مينا بفم الخليج للباحث ممدوح شفيق أن الوالي على بن سليمان العباسي (785) كان متشدداً وأمر بهدم الكنائس ومنهم كنيسة أبي مينا بفم الخليج الامر الذي دفع البابا يوأنس الرابع يذهب إلى الفسطاط ويقف باكياً حين رأى عدد الكنائس المتهدمة.ويشير نفس المصدر إلى أن الكنيسة تعرضت إلى التخريب في أيام الحاكم بأمر الله الفاطمي حيث مر الأقباط بتسع سنوات حالكة هدمت فيها الكنائس والزم الأقباط بلبس ثياب مميزة الألوان وشد الزنار لكن الغريب أن هذا الوالي أمر فيما بعد بتجديد الكنائس مرة أخرى وإعادة بناء الكنائس المتهدمة. وتعرضت الدير مرة أخرى للتدمير في حريق الفسطاط حيث امر شاور وزير الخليفة العاضد في 1168م بإحراق الفسطاط ذلك بسبب اقتراب الصلبيين من القاهرة وتم تجديد عمارة الكنيسة بعد خرابها الشامل عام 1180، ويذكر المقريزي أن ايام الناصر بن قلاوون أنه اثناء صلاه الجمعة توجه عدداً من الغوغاء إلى كنيسة مار مينا بالحمراء وتسلق الرعاع الكنيسة ونهبوها وهدموها وأخذوا منها مالاً كثيراً ثم بعد ذلك أضرموا النار في بيوت النصارى التي بجوار الكنيسة وتمت عمارة الدير في القرن السابع عشر في عهد البابا يوأنس السادس عشر.
أسباب تكرر تدمير الدير في عصور مختلفة:
1- وجود الدير في منطقة خالية بين المزارع وجبل المقطم بعيدة عن العمران في تلك العصور.
2- وجوده خارج أسوار القاهرة جعله بعيداً عن مركز السلطة طوال العصور الوسطى.
3- لم يكن الدير موجوداً داخل حصن مثل الكنيسة المعلقة، وكان السور الطيني الذي يحيط بالدير منخفضاً لم يمنع شيئاً
4- الإعتقاد الشائع عند العامة أن الدير يحتوى ذخائر ثمينة ولم يكن ذلك بعيداً عن الحقيقة وقد كانت للدير مكانة كبيرة عند الأقباط وكتبت "مسز بيتشر" في كتاب تاريخ مصر القديمة أن كنيسة مار مينا بفم الخليج منذ زمن بعيد وهى موضوع احترام الأقباط عموماً، وكانوا يرسلون إليها نذور من جميع أنحاء البلاد المصرية.
تسجيل الدير كأثر:
قام العالم الإنجليزي الفرد بتلر عام 1882 بزيارة مصر وكتب عن الآثار القبطية، وطالب بالاهتمام بها وفى عام 1884 كتب عن دير مار مينا ووصف الدير وصفاً دقيقاً، وخلال عام 1881 تأسست لجنة حفظ الآثار العربية لصيانة الآثار الاسلامية والقبطية وقدم ماكس هرتس كبير مهندسي اللجنة تقريراً يؤكد أهمية دير مار مينا بفم الخليج، وبالفعل قامت لجنة يرسها هيرتز بيه في عام 1898 بمعاينة الكنيسة، وتم تسجيلها ضمن الآثار المبتغى حفظها، وهى الآن تحمل رقم "576 آثار"، ومنذ ذلك التاريخ أصبح مطلوب الحصول على موافقة هيئة الآثار المختصة قبل القيام بأية تعديل أو ترميم في الدير، وبالفعل اهتمت لجنة حفظ الآثار العربية بعمل بعض الترميمات في الكنيسة في فترات متتالية بداية من النصف الأول من القرن العشرين وعلى سبيل المثال في عام 1913 طلب القمص مينا يعقوب رئيس دير مار مينا من مدير مصلحة الآثار العربية إزالة الحاجز الذي يفصل بين الخورس الداخلي - مكان المرتلين- والخورس الخارجي ذلك لتمكين المصلين من التقدم إلى الهيكل، وفى العام التالي 1914 ميلادية نجد في ملف الآثار مقايضة تتضمن فك بياض وهدم لجدران بير السلم الموصل إلى الكنيسة العلوية وترميم جزء من السقف وترميمات أخرى.
كنائس الدير:
يشتمل الدير على خمس كنائس تضم 11 مذبحاً ويحتوى على مائة وعشرين أيقونة
والكنائس هي: كنيسة مار مينا وهى الكبرى في الدير وكنيسة مار بنهام وكانت مخصصة للسريان طيلة القرون من 13 إلى 19 ميلادية وكنيسة مار جرجس وبها مذبح الميلاد وكنيسة الشهيد مار يحنس السنهوتي ومذبح الشهيد مرقريوس أبو سيفين، ويوجد بالدير رفات من أجساد القديسين مار مينا ومار جرجس وتكلا ومار بنهام وأخته وقزمان ودميان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق