ليس بمقدور أى إنسان أن
يعيش طوال الوقت ثائراً يتعاطى السياسة ويتلظى بنارها.
لابد أن يغفو على كتف
حبيبه. قد يغيب عن «الميدان» قليلاً ولا يسمح لأحد بأن يسرق النهار أو يغتصب
الفرح.. إنه يمضغ مُر الحب قبل حلوه ويتعاطى «ثورة الشك» وألم الفراق وشجن
العتاب وحلاوة اللقاء. إنه ثائر عاشق يسعى لائتلاف قلبين وينتمى لحزب البراءة
ويقف كالرمح ضد محاولات إجهاض حبه من «فلول» تقتحم خصوصياته، وربما تنشرها مشوهة
على «فيس بوك». إن الحوار بينهما لا نهاية له لأنه لم يبدأ بعد فهى كل القناديل
المضيئة فى دروب نفسه. شفتاها «علمتاه الغزل» ويهرب من عينيها إلى.. عينيها.
وينام على صدرها- وطنه الصغير- حيث سيول الحنان تغرقه وبقلب متصوف بحبها يتطلع
لوطنه الأكبر. كاذب من يدعى حب الوطن ولا تسكن قلبه امرأة، محفور اسمها فوق
الشرايين.
كاذب من يرفع علم وطنه
ولا يرفرف علم قلبه المسكون بالعشق. والامتحان عبارة عن ورقة أسئلة فيها سؤال
واحد ليس له وقت محدد كالامتحانات التقليدية والسؤال هو: ما سلطان المال والمنصب
والمرأة عليك؟
إن العناصر الثلاثة
«تكشف» معدن الرجل، وقد ثبت لى- من خلال خبرات حياتية- أن الرجل الذى يروى
مغامراته النسائية فى جلساته العلنية، هو عاشق مهزوم، وثبت لى أن من يتشدق
بالكرم والسخاء، هو بخيل يتمرغ فى البخل، وثبت لى أن من يعلن كذباً تحضره أمام
أصدقائه يعاقب شقيقته إذا أطلت من الشباك، وثبت لى أن من يعامل زوجات الآخرين
برقة مبالغ فيها، قد يصفع زوجته بغليظ الكلام آخر الليل. من دفتر الأيام أن
أقوال بعض الرجال تناقض أفعالهم.
هناك رجل يفعل فى السر
ما يخجل منه فى العلنية بل يحرص على إخفائه. بعض النساء ينجذبن لنوعية من الرجال
تتقن فن الاقتراب من المرأة باللعب على أوتار جمالها وفتنتها، لأن المرأة-
عموماً- تحب من أذنيها لا من عينيها. سجلت فى رأسى خبرة حياتية هى أن جمال
المرأة هو الوتر الرنان ونقطة ضعفها، وإن أعلنت أنها تفضل أن توصف بالذكاء.
المال أيضاً يكشف الرجل، فمن كان معدماً ثم صار من أرباب الثروات، يتزوج مرات.
إن إيماءة بحاحب امرأة حسناء تأمره بأن يتبعها فى الاتجاه الذى تريده.
الثروة تغير صفات الرجل
وأخلاقه وتملى عليه تعاملاته فى الحياة وفلسفته، وهى أن لكل شىء (ثمناً).
المرأة- بذكائها ودهائها المستتر- تصل إلى حدود الرجل الآمنة وغير الآمنة وتحطم
الجدار الافتراضى العازل بينها وبينه. تتسلق النافذة وتطل عليه وتقرأ أرشيف
حياته من عينيه. فإذا وقعت فى حبه تحولت إلى جهاز تبرير لكل سقطاته ودافعت عنه
أمام محكمة الغدر بها. فإذا كرهته ارتفع صوت المقت وصوت النواح الداخلى. وإن
كانت الكراهية الساخنة حباً. لكن (جسور الهوى) عند المرأة لا تتهاوى جميعها. بعض
الزوجات ينمن فى «سرير البغض» لتمضى الحياة ولا يتوقف عطاء الأزواج للتمثيل
المتقن ولا لهذا الحضور البارد.
أما (المنصب) فهو يكشف
ما طرأ على الشخصية من تغيير وهل استدعى من بعيد التعالى والاستعلاء أم مازال
بتواضع العشب؟ إن السلطة تصور لصاحبها الحق فى مساحة هواء أكبر حجماً من الناس
العاديين. إنه يرى البشر مجرد ضفادع تقفز فى الطرق. كل الصفات القبيحة التى كانت
غائرة فى الأعماق بين طبقات النفس تطل.
إن المنصب يكشف ضعف
الرجل للبقاء طويلاً فوق كرسى السلطة، أى سلطة. إنه ينحنى ويقبل الذل ويتنفس
نفاقا ويصاب ببلاهة الحواس وموت الإحساس. إنه يتحد بالكرسى ويلتحم به ويتشبث
بقوائمه ويستنشق عبقه طوال الوقت ويحن إليه إذا سافر وتلثمه عيناه إذا عاد ويجلس
ليتأمله من وراء المكتب، يرفع من شأنه ويمقت صور من سبقوه فى نفس ذات المنصب
المعلقة على أحد جدران غرفته. يكره الإحساس بأنه اليوم أو غداً سيعلقون صورته
ويصبح واحداً سابقاً. إنه يتصور- واهماً- أن الدنيا من بعده سيجرفها الطوفان.
أما العاشق الثائر فلا
يبحث عن منصب أو كرسى أو سلطة أو مال أو امرأة ضائعة. العاشق الثائر أسير
«قضية». إنه شاعر وقصيدته من أبيات وطن. إنه رسام و«لوحته» تتطلع فيها عيون
الأطفال لغد أفضل. إنه نحات و«تمثاله» يصوغه من هدير الشعب وهمهمته. إنه إنسان
«يغفو» قليلاً على كتف الحبيبة آخر النهار يروى لها بعضاً من هزائمه قبل
انتصاراته. ويعتذر عن «مليونية» تبدأ بفرحة وتخلص بكارثة.
|
الجمعة، 17 فبراير 2012
إغفاءة على كتف الحبيبة/ مفيد فوزى
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق