الأربعاء، 25 أبريل 2012

اسطورة شمشون الجبار ودليلة


يحكى أن بني اسرائيل لما عتوا عن أمر ربهم وعصوا رسولهم موسى عليه السلام ، ورفضوا الإنصياع له والقتال تحت رايته ليغزو أرض فلسطين بعد أن نجاهم من آل فرعون ، قضى الله عليهم بأن يتيهوا في الأرض أربعين سنة ، وحرم عليهم دخول فلسطين بل وسامهم الفلسطينيون سوء العذاب بكفرهم وضلالهم . وفي تلك الفترة عاش رجل من قبيلة دان من بني اسرائيل يدعى مَنوحُ ، وكانت امرأته عاقراً لا تلد . وبينما كانت تبتهل إلى الله بأن يرزقها بالولد الصالح نزلت عليها البشرى ـ كما يحكي كتابهم المقدس ـ وبشرها المَلاك الذي تصور لها في صورة بشر بأنها ستلد ولداً لا يحلق شعره لأن في شعره قوته وأنه يكون نذيراً لله يخلص بني اسرائيل من أيدي الفلسطينيين (أو الفلسطيِّين كما يذكر كتابهم) وأمرها أن لا تشرب الخمر أو المسكر ولا تأكل شيئاً مما حرمته الشريعة (شريعتهم) . ففرحت المرأة فرحاً عظيماً وبشرت بذلك زوجها . فصلى زوجها لربه ودعاه وابتهل إليه أن يعيد إليه الرجل (ولم يكن يعلم أنه ملاك) ليخبرهما عما يصنعان بهذا الولد إن رزقا به . فجاء الملاك ثانية للمرأة وهي في الحقل ولم يكن زوجها معها . فأتته مسرعة تبشره بقدوم الرجل الذي بشرها بالولد . فقام واتبعها وجاء إلى الملاك وسأله : هل أنت الرجل الذي تكلم مع امرأتي ؟ فأجاب : أنا هو . فقال مَنوحُ : والآن إذا تحقق قولك ، فكيف يجب أن نصنع بالصبي ؟ فقال له الملاك : لتمتنع امرأتك عن كل ما قلت لها أن تمتنع عنه فلا تذق ما يخرج من الكرمة ولا تشرب خمراً ولا مسكر ولا تأكل شيئاً مما حرمته الشريعة . فقال له مَنوحُ الذي فرح للبشرى : لتبقى حتى نذبح لك جدياً من المعز . فقال له : حتى لو ابقيتني فلا آكل خبزك أما إذا شئت أن تقدم قرباناً فقدمه للرب . فأخذ مَنوحُ جدياً من الماعز وقدمه قرباناً لربه على صخرة عالية ، فنزلت النار وأخذت القربان وهو وزوجته ينظرون بينما كان الملاك يرتفع إلى السماء ، فعلم مَنوحُ أنه ملاك وخرَّ هو وزوجته على الأرض خوفاً . وحملت المرأة ومرت الأيام وولدت الطفل النذير وأسمته شمشون ، وبارك الله فيه وملأه قوة . ونشأ الصبي شمشون حتى بلغ مبلغ الرجال ، فنزل قرية يقال لها تِمْنَةً ، فأعجبته امرأة من بنات الفلسطينيين ، فصعد إلى قريته وطلب من أبيه وأمه أن يزوجوها له ، فقال له أبوه : ألم تجد في شعبك كله من تصلح للزواج ؟ لكن شمشون أصر . وتقول الحكاية إن حبه للمرأة كان تدبيراً من الرب ليكون ذلك سبباً في محاربته للفلسطينيين الذين كانوا آنذاك متسلطين على بني اسرائيل . فلم يجدا أمامهما إلا الإذعان لرغبته . وبينما هم في طريقهم إلى تِمْنَةً ، اعترضه شبل أسد وزأر في وجهه فما كان منه إلا أن هجم عليه وفسخه كما لو كان جدياً ، دون أن يستخدم سلاحاً ، فقد كان قوياً جداً . ولم يخبر أباه وأمه بما فعل ومضى في طريقه . وحين كلم المرأة أعجبته ، ورجع إليها بعد أيام ليتزوجها ، فمرَّ على المكان الذي صرع فيه الأسد فوجد في جوفه عسلاً وسرباً من النحل ، فأخذ منه على كفيه ومضى وهو يأكله وجاء إلى أبيه وأمه وأعطاهما منه فأكلا ولم يخبرهما بأنه أخذ العسل من جوف الأسد
ونزلوا جميعاً إلى المرأة الفلسطينية وهناك اقام شمشون وليمة لسبعة أيام . ورآه الفلسطينيون فخافوا منه فأرسلوا له ثلاثين رجلاً ليلازموه . فقال لهم شمشون : سألقي عليكم لغزاً فإذا حللتموه قبل أن تنتهي الأيام السبعة للوليمة أعطيتكم ثلاثين قميصاً وثلاثين حلَّةً من الثياب وإن لم تقدروا فاعطوني ثلاثين قميصاً وثلاثين حلَّةً من الثياب . فقالوا : هات لغزك لنسمعه . فقال لهم خرج من الآكل أكلٌ ومن القوي حلاوةٌ . وبقي القوم لثلاثة أيام عاجزين عن حل اللغز . فذهبوا إلى زوجته وطلبوا منها أن تخادعه حتى يحل لهم اللغز وإلا أحرقوها مع أهلها بالنار . فبكت المرأة لدى شمشون وترجته أن يحل لها اللغز وضغطت عليه إلى أن قال لها الحل ، فجاءوه قبل غروب شمس اليوم السابع وقالوا له : أي شيء أحلى من العسل وأي شيء أقوى من الأسد ؟ . فعلم أن زوجته سربت لهم الحل فغضب غضباً شديداً ، فنزل إلى بلدة أشقلون الفلسطينية وقتل من الفلسطينيين ثلاثين رجلاً وأخذ ثيابهم وأعطاها لكاشفي اللغز وعاد إلى أبيه غاضباً وأخبره أنه كره زوجته لما فعلت . فارتكب أبوها خطأ جسيماً بأن زوجها لشخص آخر . ولم يعلم شمشون بذلك إلا حين زار امرأته في وقت الحصاد وحمل إليها جدياً من الماعز وقال لأبيها : أريد أن أدخل على امرأتي في غرفتها . لكن اباها منعه من ذلك وأخبره أنه لما بغضها ، زوَّجها من صاحبه . وعرض عليه أن يتزوج من أختها الصغرى بدلاً منها . لكن شمشون غضب وأصر على الانتقام من الفلسطينيين وقال : أنا بريء منهم إذا أنزلت بهم شراً . وذهب شمشون واصطاد ثلاثمائة ثعلب وربط كل اثنين منها من ذنبيهما وأخذ المشاعل ووضع بين كل ذنبين مشعلاً وأوقد المشاعل فأنطلقت الثعالب في زرع الفلسطينيين فأحرقته عن آخره ودمرت مزارع الزيتون . وسأل الفلسطينيون : من فعل هذا ؟ فقالوا : شمشون صهر الرجل الذي من تِمنَةَ لأن هذا الرجل أخذ زوجة شمشون وأعطاها لصاحبه . فاجتمع الفلسطينيون وأحرقوا المرأة وأباها بالنار . فقال لهم شمشون : حتى لو فعلتم ذلك فلن أكف عنكم حتى أنتقم منكم . وهاجمهم بعنف وأنزل بهم الهزيمة ، ثم نزل وأقام بمغارة في بلدة سَلْعِ عَيطَمَ
فصعد الفلسطينيون ، وخيموا في أرض يهوذا وهجموا على قراها . فسألهم رجالها : لماذا صعدتم لمحاربتنا ؟ فأجابوهم : صعدنا لنقبض على شمشون ونفعل به كما فعل بنا . فذهب ثلاثة آلاف رجل من يهوذا إلى شمشون وطالبوه بتسليم نفسه للفلسطينيين تجنباً لانتقامهم فأسلم نفسه لهم بعد أن أخذ عهدهم بأن لا يقتلوه . ولما وصل لبلدة لَحيٍ التي خيَّم فيها الفلسطينيون قابلوه بالصياح ، فغضب وانحلت مواثيقه وذابت الحبال في يده . وأخذ شمشون فك حمار ميت وقاتل به الفلسطينيين حتى قتل منهم ألف رجل . وقال لمن بقي منهم : قتلت منكم ألف رجل بفك حمار فاجتنبوني . ثم رمى بالفك وأطلق على ذلك المكان اسم رَمَتَ لَحيٍ . وفجأة أحس بالعطش فدعا ربه وقال : منحت عبدك هذا الخلاص العظيم والآن ها أنا أهلك عطشاً وأقع في أيدي الفلسطينيين . فانشقت صخرة هناك في بلدة لَحيٍ وخرجت منها مياه . فشرب ورجعت إليه روحه وانتعش . ولازالت هذه العين موجودة إلى الآن وتدعى عَينَ هَقُّوري . وبقي شمشون يقضي بين بني اسرائيل فيما اختلفوا فيه لمدة عشرين سنة . بعد ذلك نزل شمشون إلى غزة فصادف هناك امرأة بغياً فدخل عليها . فقيل لأهل غزة : شمشون هنا . فأحاطوا بالمكان وكمنوا له الليل كله عند باب المدينة وقالوا : عند الصبح نقتله . فنام شمشون إلى نصف الليل ثم قام فخلع مصراعي باب المدينة بقائمتيه وقلع الباب وحمله على كتفه وصعد إلى رأس الجبل قبالة حبرونَ . وبعد ذلك أحب شمشون امرأة من وادي سورَقَ تدعى دليلة . فصعد إليها زعماء الفلسطينيين وقالوا لها : خادعيه إلى أن تعرفي سرَّ قوته فنقتله ويدفع لك كل واحد منا ألفاً ومائة من الفِضَّة . ولما كان شمشون قد أحبها من كل قلبه فلم يكن ليخفي عنها شيء أما هي فخانته وأسلمته للفلسطينيين . لكنه في البداية خدعها حين سألته : أخبِرني بِماذا قوَّتُكَ العظيمةُ، وبِماذا توثَقُ فتُغلَب؟ فقال : إذا أوثقوني بسبعة أوتار طرية لم تجف بعد . فشدته بها وكمنوا له عند غرفته ، فقالت له : هجم عليك الفلسطينيون يا شمشون . فقطع شمشون الأوتار كما يقطع خيط الكتان إن لامس النار . ولم يعرف الفلسطينيون سرَّ قوته
فقالت له دليلة غاضبة : خدعتني وكذبت علي فأخبرني الآن بماذا توثق ؟ فقال لها : إن أوثقوني بحبال جديدة لم تستعمل من قبل فإني أضعف وأصير كواحد من الناس . فأخذت دليلة حبالاً جديدة وأوثقته بها وقالت له : هجم عليك الفلسطينيون يا شمشون . وكان الكمين عندها مختبئاً في الغرفة . لكن شمشون قطع الحبال عن ذراعيه كما يقطع الخيط . فسألته دليلة : إلى متى تخدعني وتكذب علي فأخبرني بماذا توثق ؟ فقال : إذا نسجت الخصل السبع التي في رأسي بالنول وشددتها بالوتد فإني أضعف وأصير كواحد من الناس . وفيما هو نائم أخذت دليلة الخصل السبع في رأسه ونسجتها بالنول وشدتها إلى الوتد وقالت : هجم عليك الفلسطينيون يا شمشون . فأفاق من نومه وقلع وتد النسيج وما فيه . فقالت له دليلة : كيف تقول أنك تحبني وأنت لا تثق بي وها أنت للمرة الثالثة تخدعني ولا تخبرني بماذا قوتك العظيمة ؟ ولما كانت تضايقه بكلامها كل يوم وتلح عليه ، ضاقت نفسه بها حتى الموت ، وأطلعها أخيراً على سرِّ قوته العظيمة وقال : لم يقص شعري يوماً لأني نذير الله من بطن أمي ، فإن قص شعري فارقتني قوتي وضعفت وصرت كواحد من الناس . وأحست دليلة أنه أخبرها بكل ما في قلبه ، فأرسلت ودعت زعماء الفلسطينيين إليها ودعت رجلاً فحلق الخصل السبع في رأسه ، وبدأت بتعذيبه بعد أن فارقته قوته وقالت له : هجم عليك الفلسطينيون يا شمشون ، فأفاق من نومه وحسب أنه كما في السابق سينتفض في وجههم وينقذ نفسه . ولم يكن يعلم أن قوته قد فارقته ، فقبض عليه الفلسطينيون وقلعوا عينيه واقتادوه إلى غزة وقيدوه بسلسلتين من نحاس وجعلوه يطحن في السجن . وهناك أخذ شعره ينمو من جديد . وأحس زعماء الفلسطينيون أنهم انتصروا أخيراً على عدوهم فذبحوا ذبيحة عظيم وقدموها إلى إلههم وكانوا يعبدون صنماً يقال له داجون . ثم قالوا : هاتوا شمشون لنضحك عليه . فجاءوا بشمشون من السجن وضحكوا عليه وأقاموه بين الأعمدة . فقال شمشون للصبي الآخذ بيده : دعني ألامس الأعمدة التي يقوم عليها هذا البيت حتى أتكيء عليها . وكان البيت يغص بالرجال والنساء ، وكان هناك جميع زعماء الفلسطينيين وعلى السطح نحو ثلاثة آلاف من الرجال والنساء تجمعوا ليتفرجوا على شمشون ويضحكوا عليه . فدعا شمشون الرب وقال : يا سيدي اذكرني وشددني هذه المرة أيضاً يا إلهي لأنتقم لعيني من الفلسطينيين دفعة واحدة . ثم قبض على العمودين اللذين في الوسط القائم عليهما البيت وأخذ أحدهما بيمينه والآخر بشماله واتكأ عليهما وقال : علي وعلي الفلسطينيين ليسقط البيت . ودفع العمودين بشدة فسقط البيت على الزعماء وعلى جميع الناس الذين في البيت ، فكان الموتى الذين قتلهم في موته أكثر من الذين قتلهم في حياته . ونزل إخوته وجميع أهل بيته فحملوه وصعدوا به ، ودفنوه بين صَرعَةَ وأشتأولَ في قبر مَنوحَ أبيه ، وكان تولى القضاء في بني اسرائيل عشرين سنة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق