مريم أم يسوع
مريم العذراء المُطوبة أم ربنا ومُخلصنا يسوع المسيح في الجسد التي وجدت نعمة عند الله
في الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله الى مدينة من الجليل اسمها ناصرة الى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف. واسم العذراء مريم. فدخل اليها الملاك وقال سلام لك ايتها المنعم عليها. الرب معك مباركة انت في النساء. فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى ان تكون هذه التحية. فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لانك قد وجدت نعمة عند الله. وها انت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيما وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الاله كرسي داود ابيه. ويملك على بيت يعقوب الى الابد ولا يكون لملكه نهاية
فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وانا لست اعرف رجلا. فاجاب الملاك وقال لها. الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك ايضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله. وهوذا اليصابات نسيبتك هي ايضا حبلى بابن في شيخوختها وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقرا. لانه ليس شيء غير ممكن لدى الله. فقالت مريم هوذا انا أمة الرب. ليكن لي كقولك. فمضى من عندها الملاك
فقامت مريم في تلك الايام وذهبت بسرعة الى الجبال الى مدينة يهوذا. ودخلت بيت زكريا وسلمت على اليصابات. فلما سمعت اليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها. وامتلأت اليصابات من الروح القدس. وصرخت بصوت عظيم وقالت مباركة انت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك. فمن اين لي هذا ان تأتي ام ربي اليّ. فهوذا حين صار صوت سلامك في اذنيّ ارتكض الجنين بابتهاج في بطني. فطوبى للتي آمنت ان يتم ما قيل لها من قبل الرب
فقالت مريم تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلّصي. لانه نظر الى اتضاع امته. فهوذا منذ الآن جميع الاجيال تطوبني. لان القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس. ورحمته الى جيل الاجيال للذين يتقونه. صنع قوة بذراعه. شتّت المستكبرين بفكر قلوبهم. أنزل الاعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين. اشبع الجياع خيرات وصرف الاغنياء فارغين. عضد اسرائيل فتاه ليذكر رحمة. كما كلم آباءنا. لابراهيم ونسله الى الابد. فمكثت مريم عندها نحو ثلاثة اشهر ثم رجعت الى بيتها واما اليصابات فتم زمانها لتلد فولدت ابنا. وسمع جيرانها واقرباؤها ان الرب عظّم رحمته لها ففرحوا معها. وفي اليوم الثامن جاءوا ليختنوا الصبي وسموه باسم ابيه زكريا. فاجابت امه وقالت لا بل يسمى يوحنا. فقالوا لها ليس احد في عشيرتك تسمى بهذا الاسم. ثم اومأوا الى ابيه ماذا يريد ان يسمى. فطلب لوحا وكتب قائلا اسمه يوحنا. فتعجب الجميع. وفي الحال انفتح فمه ولسانه وتكلم وبارك الله. فوقع خوف على كل جيرانهم. وتحدّث بهذه الأمور جميعها في كل جبال اليهودية. فاودعها جميع السامعين في قلوبهم قائلين اترى ماذا يكون هذا الصبي. وكانت يد الرب معه
وامتلأ زكريا ابوه من الروح القدس وتنبأ قائلا مبارك الرب اله اسرائيل لانه افتقد وصنع فداء لشعبه. واقام لنا قرن خلاص في بيت داود فتاه. كما تكلم بفم انبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر. خلاص من اعدائنا ومن ايدي جميع مبغضينا. ليصنع رحمة مع آبائنا ويذكر عهده المقدس. القسم الذي حلف لابراهيم ابينا ان يعطينا اننا بلا خوف منقذين من ايدي اعدائنا نعبده بقداسة وبر قدامه جميع ايام حياتنا. وانت ايها الصبي نبي العلي تدعى لانك تتقدم امام وجه الرب لتعدّ طرقه. لتعطي شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم باحشاء رحمة الهنا التي بها افتقدنا المشرق من العلاء. ليضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت لكي يهدي اقدامنا في طريق السلام. اما الصبي فكان ينمو ويتقوى بالروح وكان في البراري الى يوم ظهوره لاسرائيل
وفي تلك الايام صدر امر من اوغسطس قيصر بان يكتتب كل المسكونة. وهذا الاكتتاب الاول جرى اذ كان كيرينيوس والي سورية. فذهب الجميع ليكتتبوا كل واحد الى مدينته. فصعد يوسف ايضا من الجليل من مدينة الناصرة الى اليهودية الى مدينة داود التي تدعى بيت لحم لكونه من بيت داود وعشيرته ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى. وبينما هما هناك تمّت ايامها لتلد. فولدت ابنها البكر وقمطته واضجعته في المذود اذ لم يكن لهما موضع في المنزل
وكان في تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم. واذا ملاك الرب وقف بهم ومجد الرب اضاء حولهم فخافوا خوفا عظيما. فقال لهم الملاك لا تخافوا. فها انا ابشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. انه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلّص هو المسيح الرب. وهذه لكم العلامة تجدون طفلا مقمطا مضجعا في مذود. وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين المجد لله في الاعالي وعلى الارض السلام وبالناس المسرة ولما مضت عنهم الملائكة الى السماء قال الرجال الرعاة بعضهم لبعض لنذهب الآن الى بيت لحم وننظر هذا الامر الواقع الذي اعلمنا به الرب. فجاءوا مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعا في المذود. فلما رأوه اخبروا بالكلام الذي قيل لهم عن هذا الصبي. وكل الذين سمعوا تعجبوا مما قيل لهم من الرعاة. واما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها. ثم رجع الرعاة وهم يمجدون الله ويسبحونه على كل ما سمعوه ورأوه كما قيل لهم
ولما تمت ثمانية ايام ليختنوا الصبي سمي يسوع كما تسمى من الملاك قبل ان حبل به في البطن
ولما تمت ايام تطهيرها حسب شريعة موسى صعدوا به الى اورشليم ليقدموه للرب. كما هو مكتوب في ناموس الرب ان كل ذكر فاتح رحم يدعى قدوسا للرب. ولكي يقدموا ذبيحة كما قيل في ناموس الرب زوج يمام او فرخي حمام
وكان رجل في اورشليم اسمه سمعان. وهذا الرجل كان بارا تقيا ينتظر تعزية اسرائيل والروح القدس كان عليه. وكان قد أوحي اليه بالروح القدس انه لا يرى الموت قبل ان يرى مسيح الرب. فأتى بالروح الى الهيكل. وعندما دخل بالصبي يسوع ابواه ليصنعا له حسب عادة الناموس اخذه على ذراعيه وبارك الله وقال الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام. لان عينيّ قد ابصرتا خلاصك الذي اعددته قدام وجه جميع الشعوب. نور اعلان للامم ومجدا لشعبك اسرائيل. وكان يوسف وامه يتعجبان مما قيل فيه. وباركهما سمعان وقال لمريم امه ها ان هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في اسرائيل ولعلامة تقاوم. وانت ايضا يجوز في نفسك سيف. لتعلن افكار من قلوب كثيرة
وكانت نبية حنة بنت فنوئيل من سبط اشير. وهي متقدمة في ايام كثيرة. قد عاشت مع زوج سبع سنين بعد بكوريتها. وهي ارملة نحو اربعة وثمانين سنة لا تفارق الهيكل عابدة باصوام وطلبات ليلا ونهارا. فهي في تلك الساعة وقفت تسبح الرب وتكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداء في اورشليم
ولما اكملوا كل شيء حسب ناموس الرب رجعوا الى الجليل الى مدينتهم الناصرة. وكان الصبي ينمو ويتقوى بالروح ممتلئا حكمة وكانت نعمة الله عليه
وكان ابواه يذهبان كل سنة الى اورشليم في عيد الفصح. ولما كانت له اثنتا عشرة سنة صعدوا الى اورشليم كعادة العيد. وبعدما اكملوا الايام بقي عند رجوعهما الصبي يسوع في اورشليم ويوسف وامه لم يعلما. واذ ظناه بين الرفقة ذهبا مسيرة يوم وكانا يطلبانه بين الاقرباء والمعارف. ولما لم يجداه رجعا الى اورشليم يطلبانه. وبعد ثلاثة ايام وجداه في الهيكل جالسا في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم. وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه واجوبته. فلما ابصراه اندهشا. وقالت له امه يا بنيّ لماذا فعلت بنا هكذا. هوذا ابوك وانا كنا نطلبك معذبين. فقال لهما لماذا كنتما تطلبانني ألم تعلما انه ينبغي ان اكون فيما لأبي. فلم يفهما الكلام الذي قاله لهما. ثم نزل معهما وجاء الى الناصرة وكان خاضعا لهما. وكانت امه تحفظ جميع هذه الأمور في قلبها. واما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس .
لوقا 1: 26-2: 52
-------------
يخطئ كثيرا من الناس الى الله بجهلهم ويسيئون فهم كلمته الواضحة الكتاب المقدس، عندما يصلّوا للقديسين والأتقياء أو يتشفعوا بهم وخاصة للقديسة مريم ، مع كونها مباركة ومطوّبة من جميع الأجيال ، وصفت نفسها كما هي بحق بأنها أمة الرب ، ( أي عبدة الرب ) وهي موجودة مع الذين رقدوا في المسيح المؤمنين الممجدين في السماء فقط ، وليست في كل مكان ، ولا هي قادرة على كل شيء ، لتسمع الصلوات وتقبل السجود والتعبد الذي هو من حق الله وحده لا سواه ,
كولوسي 2: 18 لا يخسركم احد الجعالة ( المكافئة ) راغبا في التواضع وعبادة الملائكة متداخلا في ما لم ينظره منتفخا باطلا من قبل ذهنه الجسدي
عندما يُصلي الناس لغير ذات الله الواحد يخونونه بثالوثه المقدس، المبارك بأقانيمه، الله الآب الذي أرسل ابنه الوحيد الرب يسوع المسيح الى العالم ، تأنس ( صار بشراً ) ليفدينا نحن الخطاة بموته النيابي على الصليب عن كل البشر، لكي يخلص كل من يؤمن به ، وبقي مالئ السموات ، والله الروح القدوس المعزي والمرشد لفهم كلمة الله ، ساكن في قلوب المؤمنين بالمسيح ليلقنهم صلواتهم ويقود حياتهم اذا ما أطاعوه وفسحوا له المجال ، عندما يصلّي البشر لغير الله الذي أحبهم وفداهم يغيظونه بالزيغان عنه هو وحده خاقهم ومبديهم ، ويجلبون على انفسهم هلاك أبدي بتلقي غضب الله القادر على كل شيء . وهم بلا عذر، ان لم يتوبوا قبل فوات الأوان عن هذا الزنى الروحي .
رؤيا 14: 7 قائلا بصوت عظيم خافوا الله واعطوه مجدا لانه قد جاءت ساعة دينونته واسجدوا لصانع السماء والارض والبحر وينابيع المياه
القديسون والأنبياء هم بشر كانوا تحت الضعف ، وهم ايضا خطاة مثلنا تماماً خلصهم الرب يسوع المسيح المخلَّص العظيم، ووهبهم حياة أبدية مجاناً بعد ان عفا عنهم مجاناً بنعمته، وذلك عندما صرخوا اليه من كل قلوبهم مؤمنين بدمه المسفوك كفارة عنهم ، سمع صلاتهم وغفر لهم ، قدسهم في كلمته وجعلهم ابرار وقديسين.
الذين يصلون للقديسين أو يتشفعوا بهم ، يحتقرون الله ويعادونه مناقضين كلمته، ليخضعونها لإستنتاجاتهم واستحساناتهم الإنسانية ، مخدوعين من ابليس عدوهم وعدو الله، وهذا تواضع كاذب موجه ضد ارادة الله في:
متى 4: 10 حينئذ قال له يسوع اذهب يا شيطان.لانه مكتوب للرب الهك تسجد واياه وحده تعبد.
تثنية 13: 4 وراء الرب الهكم تسيرون واياه تتقون ووصاياه تحفظون وصوته تسمعون واياه تعبدون وبه تلتصقون.
1 تيموثاوس 2: 5 لانه يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الانسان يسوع المسيح.
والقديسة مريم قالت ايضا: تبتهج روحي بالله مخلّصي. لانه نظر الى اتضاع أمته. فهي أمه (عبده) لله الواحد بأقانيمه الآب والإبن والروح القدس كسائرعبيد الله الحاصلين على خلاصه لهم من الخطيئة ونتائجها ، تدعو المسيح المُخلَّص، بالله مُخلصها الشخصي وتبتهج به . وهي بدورها تتضرع الى المسيح معلنة ربوبيته وقدرته الفائقة المختصة بالله وحده على خلق شيء من لا شيء، وهي تشير فقط الى المسيح وتوصي بطاعته وحده عندما قالت للخدام في عرس قانا الجليل مهما قال لكم يسوع فافعلوه:
يوحنا 2: 5 قالت امه للخدام مهما قال لكم ( يســـــوع الله الذي ظهر بالجسد لا سواه) فافعلوه .
فكل من يصلي لغير الله الذي ظهر في المسيح الكلمة والحي بالروح القدس يخطئ الى ذات الله الواحد القائل:
اشعياء 42: 8 انا الرب هذا اسمي ومجدي لا اعطيه لآخر ولا تسبيحي للمنحوتات.
اشعياء 45: 22 التفتوا اليّ واخلصوا يا جميع اقاصي الارض لاني انا الله وليس آخر.
الملاك يرفض سجود يوحنا له:
رؤيا 22 :8 وانا يوحنا الذي كان ينظر ويسمع هذا.وحين سمعت ونظرت خررت لاسجد امام رجلي الملاك الذي كان يريني هذا.9 فقال لي انظر لا تفعل.لاني عبد معك ومع اخوتك الانبياء والذين يحفظون اقوال هذا الكتاب.اسجد للّه.
بطرس يرفض سجود كرنيليوس له:
اعمال 10 :25 ولما دخل بطرس استقبله كرنيليوس وسجد واقعا على قدميه. 26 فاقامه بطرس قائلا قم انا ايضا انسان.
بولس وبرنابا يرفضان بشدة عبادة أهل مدينة لسترة لهما:
اعمال 14 :14 فلما سمع الرسولان برنابا وبولس مزقا ثيابهما واندفعا الى الجمع صارخين15 وقائلين ايها الرجال لماذا تفعلون هذا. نحن ايضا بشر تحت آلام مثلكم نبشركم ان ترجعوا من هذه الاباطيل الى الاله الحي الذي خلق السماء والارض والبحر وكل ما فيها.16 الذي في الاجيال الماضية ترك جميع الامم يسلكون في طرقهم.17 مع انه لم يترك نفسه بلا شاهد وهو يفعل خيرا يعطينا من السماء امطارا وازمنة مثمرة ويملأ قلوبنا طعاما وسرورا.18 وبقولهما هذا كفّا الجموع بالجهد عن ان يذبحوا لهما.
شدرخ وميشخ وعيدنغو سلّموا أجسادهم للنار لئلا يسجدوا لغير الله
دانيال 3: 28 فاجاب نبوخذناصّر وقال تبارك اله شدرخ وميشخ وعبد نغو الذي ارسل ملاكه وانقذ عبيده الذين اتكلوا عليه وغيروا كلمة الملك واسلموا اجسادهم لكيلا يعبدوا او يسجدوا لاله غير الههم.
الرب يسوع المسيح يقبل السجود
متى 14: 33 والذين في السفينة جاءوا وسجدوا له قائلين بالحقيقة انت ابن الله.
متى 2: 11 وأتوا الى البيت ورأوا الصبي مع مريم امه.فخروا وسجدوا له.ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا ذهبا ولبانا ومرّا.
لوقا 24: 52 فسجدوا له ورجعوا الى اورشليم بفرح عظيم.
يوحنا 5 :23 لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب.من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي ارسله
رؤيا 4: 11 انت مستحق ايها الرب ان تأخذ المجد والكرامة والقدرة لانك انت خلقت كل الاشياء وهي بارادتك كائنة وخلقت
رؤيا 5: 12 قائلين بصوت عظيم مستحق هو الخروف المذبوح ان يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة.
ولقد استجاب المسيح المبارك لصلوات الناس في أيام تجسده وشفاهم مغيّرا اوضاعهم بكلمة ، ولا يزال يستجيب ان كنا نصلي له من كل قلوبنا حسب مشيئته
والصلاة المقدمة للآب بالروح القدس بإسم الرب يسوع المسيح لا ترد :
يوحنا 14: 13 ومهما سألتم باسمي فذلك افعله ليتمجد الآب بالابن.
يوحنا 14: 14 ان سألتم شيئا باسمي فاني افعله
يوحنا 14: 26 واما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلّمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم.
__________
المواضع التي ذُكرت فيها القديسة المُطوبة مريم أم ربنا يسوع المسيح في الجسد في الكتاب المقدس
اشعياء 7: 14 ولكن يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل
متى 1: 23 هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا
متى 1: 26 وفي الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله الى مدينة من الجليل اسمها ناصرة
لوقا 1: 27 الى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف. واسم العذراء مريم
غلاطية 4: 4 ولكن لما جاء ملء الزمان ارسل الله ابنه مولودا من امرأة مولودا تحت الناموس
متى 1: 18 اما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا. لما كانت مريم امه مخطوبة ليوسف قبل ان يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس
متى 2: 11 وأتوا الى البيت ورأوا الصبي مع مريم امه. فخروا وسجدوا له. ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا ذهبا ولبانا ومرّا
متى 12: 46 وفيما هو يكلم الجموع اذا امه واخوته قد وقفوا خارجا طالبين ان يكلموه
متى 13: 55 أليس هذا ابن النجار. أليست امه تدعى مريم واخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا
لوقا 2: 34 وباركهما سمعان وقال لمريم امه ها ان هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في اسرائيل ولعلامة تقاوم
لوقا 2: 48 فلما ابصراه اندهشا. وقالت له امه يا بنيّ لماذا فعلت بنا هكذا. هوذا ابوك وانا كنا نطلبك معذبين
لوقا 2: 51 ثم نزل معهما وجاء الى الناصرة وكان خاضعا لهما. وكانت امه تحفظ جميع هذه الأمور في قلبها
لوقا 8: 19 وجاء اليه امه واخوته. ولم يقدروا ان يصلوا اليه لسبب الجمع
يوحنا 2: 5 قالت امه للخدام مهما قال لكم فافعلوه
يوحنا 19: 25 وكانت واقفات عند صليب يسوع امه واخت امه مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية
يوحنا 19: 26 فلما رأى يسوع امه والتلميذ الذي كان يحبه واقفا قال لامه يا امرأة هوذا ابنك
متى 2: 13 وبعدما انصرفوا اذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلا قم وخذ الصبي وامه واهرب الى مصر وكن هناك حتى اقول لك. لان هيرودس مزمع ان يطلب الصبي ليهلكه
متى 2: 14 فقام واخذ الصبي وامه ليلا وانصرف الى مصر
متى 2: 20 قائلا. قم وخذ الصبي وامه واذهب الى ارض اسرائيل. لانه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي
متى 2: 21 فقام واخذ الصبي وامه وجاء الى ارض اسرائيل
مرقس 3: 31 فجاءت حينئذ اخوته وامه ووقفوا خارجا وارسلوا اليه يدعونه
لوقا 2: 33 وكان يوسف وامه يتعجبان مما قيل فيه
لوقا 2: 43 وبعدما اكملوا الايام بقي عند رجوعهما الصبي يسوع في اورشليم ويوسف وامه لم يعلما
يوحنا 2: 12 وبعد هذا انحدر الى كفرناحوم هو وامه واخوته وتلاميذه واقاموا هناك اياما ليست كثيرة
يوحنا 6: 42 وقالوا أليس هذا هو يسوع ابن يوسف الذي نحن عارفون بابيه وامه. فكيف يقول هذا اني نزلت من السماء
لوقا 1: 38 فقالت مريم هوذا انا أمة الرب. ليكن لي كقولك. فمضى من عندها الملاك
لوقا 1: 39 فقامت مريم في تلك الايام وذهبت بسرعة الى الجبال الى مدينة يهوذا
لوقا 1: 41 فلما سمعت اليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها. وامتلأت اليصابات من الروح القدس
لوقا 1: 46 فقالت مريم تعظم نفسي الرب
لوقا 1: 56 فمكثت مريم عندها نحو ثلاثة اشهر ثم رجعت الى بيتها
لوقا 2: 5 ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى
لوقا 2: 16 فجاءوا مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعا في المذود
لوقا 2: 19 واما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها
لوقا 2: 34 وباركهما سمعان وقال لمريم امه ها ان هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في اسرائيل ولعلامة تقاوم
اعمال 1: 14 هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم ام يسوع ومع اخوته
رومية 16: 6 سلموا على مريم التي تعبت لاجلنا كثيرا
========================================
========================================
قصة عيسى عليه السلام
نشأة مريم
لا خلاف أنها من سلالة داود عليه السلام وكان أبوها عمران صاحب صلاة بني إسرائيل في زمانه
وكانت أمها وهي حنة بنت فاقود بن قبيل من العابدات، وكان زكريا نبي ذلك الزمان زوج أخت مريم "أشياع" في قول الجمهور وقيل زوج خالتها "أشياع" فالله أعلم.
و قد كانت أن أم مريم لا تحبل فرأت يوماً طائراً يزق فرخاً له فاشتهت الولد فنذرت لله إن حملت لتجعلن ولدها محرراً أي حبيساً في بيت المقدس.
قالوا: فحاضت من فورها فلما طهرت واقعها بعلها فحملت بمريم عليها السلام {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ}
{وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} أي في خدمة بيت المقدس، وكانوا في ذلك الزمان ينذرون لبيت المقدس خداماً من أولادهم
{وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}
وقد استجيب لها في هذا كما تقبل منها نذرها
عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مولود إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخاً من مس الشيطان إلا مريم وابنها" ثم يقول أبو هريرة: واقرأوا إن شتئم {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}.
{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}
ذكر كثير من المفسرين أن أمها حين وضعتها لفتها في خروقها ثم خرجت بها إلى المسجد فسلمتها إلى العباد الذين هم مقيمون به، وكانت ابنة إمامهم وصاحب صلاتهم، فتنازعوا في أيهم يكفلها، وكان زكريا نبيهم في ذلك الزمان، وقد أراد أن يستبد بها دونهم من أجل زوجته أختها - أو خالتها على القولين. فطلبوا أن يقترع معهم، فساعدته المقادير فخرجت قرعته غالبة لهم وذلك أن الخالة بمنزلة الأم.
قال الله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}
وذلك أن كلاًّ منهم ألقى قلمه معروفاً به، ثم حملوها ووضعوها في موضع وأمروا غلاماً لم يبلغ الحنث فأخرج واحداً منها وظهر قلم زكريا عليه السلام.
فطلبوا أن يقترعوا مرة ثانية وأن يكون ذلك بأن ألقوا أقلامهم في النهر فأيهم جرى قلمه على خلاف جرية الماء فهو الغالب ففعلوا فكان قلم زكريا هو الذي جرى على خلاف جرية الماء، وسارت أقلامهم مع الماء
ثم طلبوا منه أن يقترعوا ثالثة فأيهم جرى قلمه مع الماء ويكون بقية الأقلام قد انعكس سيرها صعداً فهو الغالب ففعلوا فكان زكريا هو الغالب لهم فكفلها إذ كان أحق بها شرعاً وقدراً .
قال الله تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
قال المفسرون: اتخذ لها زكريا مكاناً شريفاً من المسجد لا يدخله سواها، فكانت تعبد الله فيه وتقوم مما يجب عليها من سدانة البيت إذا جاءت نوبتها وتقوم بالعبادة ليلها ونهارها، حتى صارت يضرب بها المثل بعبادتها في بني إسرائيل، واشتهرت بما ظهر عليها من الأحوال الكريمة والصفات الشريفة حتى إنه كان نبي الله زكريا كلما دخل عليها موضع عبادتها يجد عندها رزقاً غريباً في غير أوانه. فكان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف فيسألها {أَنَّى لَكِ هَذَا} فتقول {هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} أي رزق رزقنيه الله {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
فعند ذلك وهنالك طمع زكريا في وجود ولد له من صلبه وإن كان قد أسن وكبر {قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} قال بعضهم: قال: يا من يرزق مريم الثمر في غير أوانه هب لي ولداً وإن كان في غير أوانه. فكان من خبره وقضيته ما قدمنا ذكره في قصته.
بشارة الملائكة لمريم
{ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ{
يذكر تعالى أن الملائكة بشرت مريم باصطفاء الله لها من بين سائر نساء عالمي زمانها، بأن اختارها لإيجاد ولد منها من غير أب وبُشرت بأن يكون نبياً شريفاً {يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ} أي في صغره يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وكذلك في حال كهولته، فدل على أنه يبلغ الكهولة ويدعو إلى الله فيها، وأُمرت بكثرة العبادة والقنوت والسجود والركوع لتكون أهلاً لهذه الكرامة ولتقوم بشكر هذه النعمة، فيقال إنها كانت تقوم في الصلاة حتى تفطرت قدماها رضي الله عنها ورحمها ورحم أمها وأباها.
عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حسبك من نساء العالمين بأربع، مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد".
قصة حمل مريم بعيسى عليه السلام
لما خاطبتها الملائكة بالبشارة لها باصطفاء الله لها، وبأنه سيهب لها ولداً زكياً يكون نبياً كريماً طاهراً مكرماً مؤيداً بالمعجزات، فتعجبت من وجود ولد من غير والد، لأنها لا زوج لها، ولا هي ممن تتزوج فاخبرتها الملائكة بأن الله قادر على ما يشاء إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون، فاستكانت لذلك وأنابت وسلمت لأمر الله، وعلمت أن هذا فيه محنة عظيمة لها، فإن الناس يتكلمون فيها بسببه، لأنهم لا يعلمون حقيقة الأمر، وإنما ينظرون إلى ظاهر الحال من غير تدبر ولا تعقل.
وكانت إنما تخرج من المسجد في زمن حيضها أو لحاجة ضرورة لابد منها من استقاء ماء أو تحصيل غذاء، فبينما هي يوماً قد خرجت لبعض شؤونها و{انتَبَذَتْ} أي انفردت وحدها شرقي المسجد الأقصى إذ بعث الله إليها الروح الأمين جبريل عليه السلام {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً}
فلما رأته {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَانِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيّاً}
و التقي هو ذو نهية.
{قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً} أي خاطبها الملك قائلاً لست ببشر ولكني ملك بعثني الله إليك لأهب لك ولداً زكيا.
{قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ} أي كيف يكون لي غلام أو يوجد لي ولد
{وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُنْ بَغِيّاً} أي ولست ذات زوج وما أنا ممن يفعل الفاحشة
{ قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} فأجابها الملك عن تعجبها من وجود ولد منها قائلاً أنه وعد الله أنه سيخلق منك غلاماً ولست بذات بعل ولا تكونين ممن تبغين
{هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} أي وهذا أسهل عليه ويسير لديه، فإنه على ما يشاء قدير.
وقوله {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ} أي ولنجعل خلقه والحالة هذه دليلاً على كمال قدرتنا على أنواع الخلق، فإنه تعالى خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر، وخلق بقية الخلق من ذكر وأنثى.
قال تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا}.
ذكر غير واحد من السلف أن جبريل نفخ في جيب درعها فنزلت النفخة إلى فرجها فحملت من فورها كما تحمل المرأة عند جماع بعلها.
ولما نفخ فيها الروح لم يواجه الملك الفرجَ بل نفخ في جيبها فنزلت النفخة إلى فرجها فانسلكت فيه، كما قال تعالى: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا}
قال تعالى: {فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً}
وذلك لأن مريم عليها السلام لما حملت ضاقت به ذرعاً، وعلمت أن كثيراً من الناس سيكون منهم كلام في حقها، فذكر غير واحد من السلف أنها لما ظهرت عليها مخايل الحمل كان أول من فطن لذلك رجل من عُباد بني إسرائيل يقال له يوسف بن يعقوب النجار، وكان ابن خالها فجعل يتعجب من ذلك عجباً شديداً، وذلك لما يعلم من ديانتها ونزاهتها وعبادتها وهو مع ذلك يراها حبلى وليس لها زوج، فعرَّض لها ذات يوم في الكلام فقال: يا مريم هل يكون زرع من غير بذر؟
قالت: نعم، فمن خلق الزرع الأول.
ثم قال: فهل يكون ولد من غير ذكر؟
قالت: نعم إن الله خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى.
قال لها: فأخبريني خبرك.
فقالت: إن الله بشرني {اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابن مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ، وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنْ الصَّالِحِينَ}.
ويروى مثل هذا عن زكريا عليه السلام أنه سألها فأجابته بمثل هذا. والله أعلم.
وروى عن مجاهد قال: قالت مريم كنت إذا خلوت حدثني وكلمني وإذا كنت بين الناس سبح في بطني.
قال محمد بن إسحاق: شاع واشتهر في بني إسرائيل أنها حامل، فما دخل على أهل بيت ما دخل على آل بيت زكريا.
قال: واتهمها بعض الزنادقة بيوسف الذي كان يتعبد معها في المسجد، وتوارت عنهم مريم واعتزلتهم وانتبذت مكاناً قصياً.
ولادة عيسى
{فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَنْسِيّاً}
أي فألجأها واضطرها الطلق إلى جذع النخلة، ببيت لحم فتمنت الموت وذلك لأنها علمت أن الناس يتهمونها ولا يصدقونها بل يكذبونها حين تأتيهم بغلام على يدها، مع أنها قد كانت عندهم من العابدات الناسكات المجاورات في المسجد المنقطعات إليه المعتكفات فيه، ومن بيت النبوة والديانة فحملت بسبب ذلك من الهم ما تمنت أن لو كانت ماتت قبل هذا الحال أو لم تخلق بالكلية.
{فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا}
و فى تفسير ذلك قولان: أحدهما أنه جبريل وفي رواية: هو إبنها عيسى
{ أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً}. قيل النهر
{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً} فذكر الطعام والشراب ولهذا قال {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً}.
قيل: كان جذع النخلة يابساً وقيل كانت نخلة مثمرة فالله أعلم. ويحتمل أنها كانت نخلة، لكنها لم تكن مثمرة إذ ذاك، لأن ميلاده كان في زمن الشتاء وليس ذاك وقت ثمر، وقد يفهم ذلك من قوله تعالى على سبيل الأمتنان {تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً}
ليس شيء أجود للنفساء من التمر والرطب
{فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً}.
فإن رأيت أحداً من الناس فقولى له بلسان الحال والإشارة إنى نذرت للرحمن صوماً أي صمتاً، وكان من صومهم في شريعتهم ترك الكلام والطعام
{فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً، يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً}
والمقصود أنهم لما رأوها تحمل معها ولدها قالوا {يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} والفرية هي الفعلة المنكرة العظيمة
ثم قالوا لها {يَا أُخْتَ هَارُونَ}
وقد ورد الحديث الصحيح الدال على أنه قد كان لها أخ اسمه هارون وليس في ذكر قصة ولادتها وتحرير أمها لها ما يدل على أنها ليس لها أخ سواها. والله أعلم.
عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران فقالوا: أرأيت ما تقرأون: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} وموسى قبل عيسى بكذا وكذا؟ قال فرحت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم".
عيسى يتكلم فى المهد
فلما ضاق الحال بمريم {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} أي خاطبوه وكلموه فإن جوابكم عليه وما تبغون من الكلام لديه
فعند ذلك قالوا : {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً}
أي كيف تحيلين في الجواب على صبي صغير لا يعقل الخطاب، وهو رضيع في مهده ولا يميز ، وما هذا منك إلا على سبيل التهكم بنا والاستهزاء والتنقص لنا والازدراء .
فعندها {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً، وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ ?وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً، وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً، وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً}.
هذا أول كلام تفوه به عيسى بن مريم، فكان أول ما تكلم به أن {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} اعترف لربه تعالى بالعبودية وأن الله ربه فنزه جناب الله عن قول الظالمين في زعمهم أنه ابن الله، بل هو عبده ورسوله وابن أمته .
ثم برأ أمه مما نسبها إليه الجاهلون وقذفوها به ورموها بسببه بقوله: {آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً} فإن الله لا يعطي النبوة من هو كما زعموا لعنهم الله ، كما قال تعالى {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً} وذلك أن طائفة من اليهود في ذلك الزمان قالوا إنها حملت به من زنى في زمن الحيض، لعنهم الله فبرأها الله من ذلك وأخبر عنها أنها صديقة واتخذ ولدها نبياً مرسلاً أحد أولي العزم الخمسة الكبار
ثم قال: {وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً} أي وجعلني براً بوالدتي وذلك أنه تأكد حقها عليه إذ لا والد له سواها، فسبحان من خلق الخليقة وبراها وأعطى كل نفس هداها
حقيقة عيسى عليه السلام
قال تعالى : {ذَلِكَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ، مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}
كما قال تعالى: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنْ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }.
فبين أنه تعالى لا ينبغي له الولد لأنه خالق كل شيء ومالكه، وكل شيء فقير إليه، خاضع ذليل لديه وجميع سكان السماوات والأرض عبيده، هو ربهم لا إله إلا هو ولا رب سواه
وثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله تعالى: "شتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك، يزعم أن لي ولداً وأنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد".
ذكر منشأ عيسى بن مريم عليهما السلام
قد ذكرنا أنه ولد ببيت لحم قريباً من بيت المقدس.
وذكر وهب بن منبه أنه لما خرت الأصنام يومئذ في مشارق الأرض ومغاربها، وأن الشياطين حارت في سبب ذلك حتى كشف لهم إبليس الكبير أمر عيسى فوجدوه في حجر أمه والملائكة محدقة به، وأنه ظهر نجم عظيم في السماء وأن ملك الفرس أشفق من ظهوره
فسأل الكهنة عن ذلك فقالوا: هذا لمولد عظيم في الأرض. فبعث رسله ومعهم ذهب ومر ولبان هدية إلى عيسى
فلما قدموا الشام سألهم ملكها عما أقدمهم فذكروا له ذلك، فسأل عن ذلك الوقت فإذا قد ولد فيه عيسى بن مريم ببيت المقدس واشتهر أمره بسبب كلامه في المهد فأرسلهم إليه بما معهم وأرسل معهم من يعرفه له ليتوصل إلى قتله إذا انصرفوا عنه، فلما وصلوا إلى مريم بالهدايا ورجعوا قيل لها إن رسل ملك الشام إنما جاءوا ليقتلوا ولدك. فاحتملته فذهبت به إلى مصر، فأقامت به حتى بلغ عمره اثنتي عشرة سنة، وظهرت عليه كرامات ومعجزات في حال صغره
عن ابن عباس قال: وكان عيسى يرى العجائب في صباه إلهاماً من الله، ففشا ذلك في اليهود وترعرع عيسى، فهمت به بنو إسرائيل، فخافت أمه عليه، فأوحى الله إلى أمه أن تنطلق به إلى أرض مصر،
قال لنا إدريس عن جده وهب بن منبه، قال: إن عيسى لما بلغ ثلاث عشرة سنة أمره الله أن يرجع من بلاد مصر إلى بيت إيليا قال فقدم عليه يوسف ابن خال أمه فحملهما على حمار حتى جاء بهما إلى إيليا وأقام بها حتى أحدث الله له الإنجيل وعلمه التوراة وأعطاه إحياء الموتى وإبراء الأسقام والعلم بالغيوب مما يدخرون في بيوتهم وتحدث الناس بقدومه وفزعوا لما كان يأتي من العجائب، فجعلوا يعجبون منه فدعاهم إلى الله ففشا فيهم أمره.
من نعم الله على عيسى
وقال الله تعالى وهو أصدق القائلين: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابن مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إسرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ، وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ}.
فكان أول ما أحيا من الموتى أنه مرّ ذات يوم على امرأة قاعدة عند قبر وهي تبكي فقال لها: مالك، أيتها المرأة؟ فقالت: ماتت ابنة لي لم يكن لي ولد غيرها، وإني عاهدت ربي أن لا أبرح من موضعي هذا حتى أذوق ما ذاقت من الموت أو يحييها الله لي فأنظر إليها. فقال لها عيسى: أرأيت إن نظرت إليها أراجعة أنت؟ قالت: نعم. قالوا فصلى ركعتين، ثم جاء فجلس عند القبر فنادى: يا فلانة قومي بإذن الرحمن فاخرجي. قال: فتحرك القبر ثم نادى الثانية فانصدع
القبر بإذن الله؛ ثم نادى الثالثة فخرجت وهي تنفض رأسها من التراب، فقال لها عيسى: ما أبطأ بك عني؟ فقالت: لما جاءتني الصيحة الأولى بعث الله لي ملكاً فركب خلقي، ثم جاءتني الصيحة الثانية فرجع إليَّ روحي، ثم جاءتني الصيحة الثالثة فخفت أنها صيحة القيامة فشاب رأسي وحاجباي وأشفار عيني من مخافة القيامة، ثم أقبلت على أمها فقالت: يا أماه ما حملك على أن أذوق كرب الموت مرتين، يا أماه اصبري واحتسبي فلا حاجة لي في الدنيا، يا روح الله وكلمته، سل ربي أن يردني إلى الآخرة وأن يهون علي كرب الموت. فدعا ربه فقبضها إليه واستوت عليها الأرض.
فبلغ ذلك اليهود فازدادوا عليه غضباً.
وقدمنا في عقب قصة نوح أن بني إسرائيل سألوه أن يحيي لهم سام بن نوح فدعا الله عز وجل وصلى الله فأحياه الله لهم فحدثهم عن السفينة وأمرها ثم دعا فعاد تراباً.
وقد روى السدي عن أبي صالح وأبي مالك، عن ابن عباس في خبر ذكره وفيه أن ملكاً من ملوك بني إسرائيل مات وحمل على سريره فجاء عيسى عليه السلام فدعا الله عز وجل فأحياه الله عز وجل، فرأى الناس أمراً هائلاً ومنظراً عجيباً.
بشارة عيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم
وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ يَا بَنِي إسرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ،
فعيسى عليه السلام هو خاتم أنبياء بني إسرائيل وقد قام فيهم خطيباً فبشره بخاتم الأنبياء الآتي بعده ونوه باسمه وذكر لهم صفته ليعرفوه ويتابعوه إذا شاهدوه. إقامة للحجة عليهم وإحساناً من الله إليهم كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}.
عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا:
يا رسول الله أخبرنا عن نفسك. قال: "دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام".
ذكر خبر المائدة
قال الله تعالى: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابن مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ، قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنْ الشَّاهِدِينَ، قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ، قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابا لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ}.
ومضمون ذلك: أن عيسى عليه السلام أمر الحواريين بصيام ثلاثين يوماً، فلما أتموها سألوا من عيسى إنزال مائدة من السماء عليهم ليأكلوا منها وتطمئن بذلك قلوبهم أن الله قد تقبل صيامهم وأجابهم إلى طلبتهم، وتكون لهم عيداً يفطرون عليها يوم فطرهم وتكون كافية لأولهم وآخرهم لغنيهم وفقيرهم. فوعظهم عيسى عليه السلام في ذلك وخاف عليهم أن لا يقوموا بشكرها ولا يؤدوا حق شروطها فأبوا عليه إلا أن يسأل لهم ذلك من ربه عز وجل.
فلما لم يقلعوا عن ذلك قام إلى مصلاه ولبس مسحاً من شعر
وصف بين قدميه وأطرق رأسه وأسبل عينيه بالبكاء وتضرع إلى الله في الدعاء والسؤال أن يجابوا إلى ما طلبوا.
فأنزل الله تعالى المائدة من السماء والناس ينظرون إليها تنحدر بين غمامتين، وجعلت تدنوا قليلاً قليلاً، وكلما دنت سأل عيسى ربه عز وجل أن يجعلها رحمة لا نقمة وأن يجعلها بركة وسلامة فلم تزل تدنوا حتى استقرت بين يدي عيسى عليه السلام وهي مغطاة بمنديل فقام عيسى يكشف عنها وهو يقول "بسم الله خير الرازقين" فإذا عليها سبعة من الحيتان وسبعة أرغفة ويقال: وخل. ويقال: ورمان وثمار، ولها رائحة عظيمة جداً، قال الله لها كوني فكانت.
ثم أمرهم بالأكل منها، فقالوا: لا نأكل حتى تأكل فقال: إنكم الذين ابتدأتم السؤال لها. فأبوا أن يأكلوا منها ابتداءً، فأمر الفقراء والمحاويج والمرضى والزمنى وكانوا قريباً من ألف وثلاثمائة فأكلوا منها فبرأ كل من به عاهة أو آفه أو مرض مزمن، فندم الناس على ترك الأكل منها لما رأوا من إصلاح حال أولئك. ثم قيل إنها كانت تنزل كل يوم مرة فيأكل الناس منها، يأكل آخرهم كما يأكل أولهم حتى قيل أنها كان يأكل منها نحو سبعة آلاف.
ثم كانت تنزل يوماً بعد يوم، كما كانت ناقة صالح يشربون لبنها يوماً بعد يوم. ثم أمر الله عيسى أن يقصرها على الفقراء أو المحاويج دون الأغنياء، فشق ذلك على كثير من الناس وتكلم منافقوهم في ذلك، فرفعت بالكلية ومسخ الذين تكلموا في ذلك خنازير.
عن عمار بن ياسر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نزلت المائدة من السماء خبز ولحم وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا ولا يرفعوا لغد، فخانوا وادخروا ورفعوا، فمسخوا قردة وخنازير.
فإن العلماء اختلفوا في المائدة: هل نزلت أم لا؟ فالجمهور أنها نزلت كما دلت عليه هذه الأثار كما هو المفهوم من ظاهر سياق القرآن ولا سيما قوله: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} كما قرره ابن جرير والله أعلم.
رفع عيسى الى السماء
{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ، إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.
وقال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً، وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً، وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً، وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً}.
فأخبر تعالى أنه رفعه إلى السماء بعد ما توفاه بالنوم على الصحيح المقطوع به، وخلصه ممن كان أراد أذيته من اليهود الذين وشوا به إلى بعض الملوك الكفرة في ذلك الزمان.
قال الحسن البصري ومحمد بن إسحاق: كان اسمه داوود بن نورا فأمر بقتله وصلبه، فحصروه في دار ببيت المقدس، وذلك عشية الجمعة ليلة السبت، فلما حان وقت دخولهم ألقى شبهه على بعض أصحابه الحاضرين عنده ورفع عيسى من روزنة من ذلك البيت إلى السماء، وأهل البيت ينظرون، ودخل الشرط فوجدوا ذلك الشاب الذي ألقي عليه شبهه فأخذوه ظانين أنه عيسى فصلبوه ووضعوا الشوك على رأسه إهانة له، وسلم لليهود عامة النصارى الذين لم يشاهدوا ما كان من أمر عيسى أنه صلب وضلوا بسبب ذلك ضلالاً مبيناً كثيراً فاحشاً بعيداً.
و أخبر تعالى بقوله: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} أي بعد نزوله إلى الأرض في آخر الزمان قبل قيام الساعة، فإنه ينزل ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام،
، عن ابن عباس، قال: لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج على أصحابه وفي البيت
اثنا عشر رجلاً منهم من الحواريين، يعني فخرج عليهم من عين في البيت ورأسه يقطر ماء فقال: إن منكم من يكفر بي اثني عشرة مرة بعد أن آمن بي، ثم قال: أيكم يُلقى عليه شبهي فيقتل مكاني فيكون معي في درجتي؟ فقام شاب من أحدثهم سناً فقال له: اجلس. ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال: أنا، فقال: أنت هو ذاك. فأُلقي عليه شبه عيسى، ورُفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء.
قال: وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه فكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به وافترقوا ثلاث فرق، فقالت طائفة: كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء. وهؤلاء اليعقوبية. وقالت فرقة: كان فينا ابن الله ما شاء الله ثم رفعه الله إليه وهؤلاء النسطورية. وقالت فرقة: كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله ثم رفعه الله إليه. وهؤلاء المسلمون، فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام طامساً حتى بُعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عباس: وذلك قوله تعالى: {فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق